دماءٌ على وجه البحر:مقال جريء لفاطمه ناعوت
بقلم فاطمة ناعوت ٣/ ١/ ٢٠١١العروسُ الجميلة. دُرّة البحر الأبيض. ثغرُ مصرَ العذب. التى عاش فيها المصريون يهودًا، ومسيحيين، ومسلمين، أمدًا طويلاً، وقد ذابت اختلافاتُ عقائدهم فى محبةٍ لم تكن تعرف بعد معنًى لمصطلح دخيل اسمه «الطائفية»، مثلما استضافت غيرَ مصريين، من يونانيين وإيطاليين وقد ذابت هوياتُهم فى ساحلٍ استلبَ عقلَ العالم، واستقطب الغزاةَ إلى مصر على مر الزمن. المدينةُ التى ترمى مَن يدخلها فى لعنة سحرها، فلا يبرحها، مادام حيًّا. مثلما اختار قسطنطين كفافيس، الشاعر اليونانى الأشهر، أن يعيش فيها عمرّه كلّه حتى مات. لكنه قبل أن يموت تنبأ بأن البرابرةَ يتربصون بالمدينة، كى يفتتوا أوصالها، ويسفكوا دماءها. فإن دخل البرابرةُ المدينةَ احتلّوها واستعبدوا مواطنيها، وإن لم يدخلوا، يظل الناسُ منتظرين دخولهم.
«ما الذى ننتظره فى السوق محتشدين؟/ إن البرابرةَ يصِلون اليوم/ وفى مجلس الشيوخ، لماذا هذا الجمود؟/ لماذا جلس الشيوخُ لا يسنّون التشريعات؟/ لأن البرابرةَ يصلون اليوم.
معقول هذا الذى يحدث؟ لصالح مَن أيها المصريون؟ بينما الناسُ يتصافحون مودّعين عامًا مُثقلا بالدماء ليستقبلوا عامًا يرجون فيه العزاء، بينما يتمنون لبعضهم البعض عامًا طيبًا يُنسينا ويلات العام الدموى الراحل، عامًا يربّت على أكتافنا ويطمئننا أنه سيكون أرحمَ من أبيه غليظ القلب، بينما يُصلّى المسيحيون فى كنائسهم مترنمين للسماء أن ترفعَ عن مصرَ الظلامَ المكتوب عليها منذ عقود، بينما يستقبلون الفجرَ ببشر وأمل، لأن أسوأَ السيئ، قد شهدناه، وأشرَّ الشرِّ قد حصل بالفعل فى ٢٠١٠، ومن ثَم فليس من سوء وشرٍّ تبقّى فى جعبة الشيطان، تلك التى أفرغها عن آخرها على رؤوسنا، بينما كلُّ هذا يحدث، وبعد اثنتى عشرة دقّة تأمر عامًا عجوزًا أن يختفي، ليطّل عامٌ وليد واعدٌ بالرجاء، تنفجر سيارةٌ مفخخة أمام كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، ثم تنفجر فى إثرها سيارتان أخريان، فيسقط عشراتُ الشهداء والجرحى، وتنهارُ عشراتُ الأسر، وتثكلُ عشراتُ الأمهات، وتترمل عشرات النساء، ويتيتَّمُ عشراتُ الأطفال، ولا عزاء للشيطان!
هل سنغدو أفغانستان؟ هل سنحاكى العراق؟ قرأت مرّةً أن «مفكّرًا» إسرائيليًّا قال: «قوةُ إسرائيل ليست فى سلاحها النووىّ، فهو سلاحٌ يحمل فى طياته موانعَ استخدامه، بل تكمنُ فى تفتيت الدول الكبرى التى حولها (مصر، العراق، إيران) إلى دويلات متناحرة على أُسس دينية وطائفية. ونجاحُنا فى هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا، بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر!».
وتواترتِ الأخبارُ أن القاعدةَ وراء ما حدث، بعدما وعدت بتفجير كنائس مصر، وبدأت بالفعل فى تفجير كنيسة بالعراق. وسواءً كانت القاعدةُ، أم كان صهيون، أم كان البرابرةُ، هو المجرم صاحب اليد القذرة فى ترويع مصرَ الطيبة، فمن المستحيل أن أصدّق أن أولئك المجرمين قد نجحوا فى أن يجعلوا من مصرىّ واحد، أحدَ أياديهم التى تقتل مصريًّا آخر! وهو ما تجلّى فى ثورة المسلمين بالإسكندرية غضبًا على أرواح الشهداء المسيحيين. مصريون مسلمون تبرعوا بدمائهم لتجرى فى شرايين مصريين مسيحيين ينزفون. مصريون ومصريات سهروا الليلَ يبكون ويصلّون لله أن يرحمَ مصرَ الطيبة من ويل البرابرة.
لم نكن بحاجة إلى مجزرةٍ جديدة لكى نتأكد، ونؤكد لبعضنا البعض، أننا شعبٌ واحد، رغم أنف البرابرة. لو انتشرت تلك الروحُ بيننا، فى السرّاء كما فى الضرّاء، لهزمنا القبحَ الضارب فى قلب مصر. ثمانون مليون مصريّ عليهم فرضُ عينٍ، أن يمسحوا دمعَ مصر الذى يقطرُ منذ سنين، على مرأى منّا ومسمع. أيتها السماءُ الطيبة، مصرُ التى صنعتِ التاريخَ، تستحقُّ أن تمسحى دمعتَها.